هل سبق أن لاحظت شخصًا يقوم بحركات متكررة أو يصدر أصواتًا مفاجئة دون سبب ظاهر؟ قد يبدو الأمر غريبًا للبعض، لكنه في الحقيقة قد يكون ناتجًا عن حالة عصبية تعرف بـ”متلازمة توريت”.
تعد هذه المتلازمة من الاضطرابات العصبية النادرة التي تبدأ عادةً في مرحلة الطفولة، وتتميز بظهور “التشنجات اللاإرادية” وهي حركات أو أصوات متكررة لا يمكن السيطرة عليها.
ورغم أن الأعراض قد تبدو غير مفهومة أو ملفتة، إلا أن الأشخاص المصابين بها لا يملكون القدرة على التحكم فيها.
في هذا المقال، سنُسلط الضوء على أسباب وعلاج متلازمة توريت، وأهم أعراضها، وكيف يمكن تشخيصها والتعامل معها.
ما هي متلازمة توريت؟
تعد متلازمة توريت من الاضطرابات العصبية غير الشائعة، والتي تظهر في صورة حركات أو أصوات متكررة يصعب على المريض التحكم بها، ويطلق عليها “التشنجات اللاإرادية”.
قد تكون هذه التشنجات بسيطة، مثل رمش العين أو تنفيض الكتف، أو صوتية مثل تنظيف الحلق أو إصدار كلمات بشكل لا إرادي.
وعلى الرغم من أن عديد من المصابين يعانون من أعراض خفيفة لا تؤثر في حياتهم اليومية، فإن البعض الآخر قد يواجه أعراضًا أكثر حدة تتطلب دعماً طبيًا ونفسيًا مستمرًا.
أسباب متلازمة توريت… بين العلم والغموض
لم يتمكّن الباحثون حتى الآن من تحديد السبب الدقيق لمتلازمة توريت، ومع ذلك، فقد لاحظوا أنها غالبًا ما تظهر في عائلات معينة، مما يشير إلى احتمالية وجود دور للعوامل الوراثية.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد أن هناك خللًا في طريقة تعامل الدماغ مع بعض المواد الكيميائية المسؤولة عن تنظيم الحركة والسلوك، والمعروفة باسم “الناقلات العصبية”.
ومن أبرز هذه المواد: الدوبامين، والذي يعتقد أن اضطراب مستوياته قد يكون أحد العوامل المساهمة في ظهور أعراض المتلازمة.
فهل يمكن علاج متلازمة توريت؟ هذا ما سنعرفه في الفقرات القادمة.
من هم الأكثر عرضة لمتلازمة توريت؟
على رغم أن السبب المباشر للمتلازمة غير معروف، إلا أن هناك بعض العوامل التي قد تزيد من احتمالية الإصابة بها أبرزها:
- الجنس: حيث أن الذكور أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة توريت من الإناث، بنسبة تصل إلى 3 إلى 4 أضعاف.
- التاريخ العائلي: وجود أفراد في العائلة مصابون بمتلازمة توريت أو باضطرابات عصبية مشابهة يزيد احتمالية الإصابة، مما يشير إلى وجود عامل وراثي.
- صحة الأم أثناء الحمل: إن التدخين خلال الحمل أو التعرض لمضاعفات صحية قد يزيد خطر ظهور المتلازمة.
كما يعتقد أن انخفاض وزن الطفل عند الولادة قد يكون أيضًا من العوامل المساهمة في زيادة هذا الخطر.
ما هي أعراض متلازمة توريت؟
تنقسم أعراض المتلازمة إلى نوعين أساسيين:
التشنجات الحركية:
وهي حركات مفاجئة وغير مقصودة، منها البسيط ومنها المعقد:
- رمش العين المتكرر.
- تعبيرات غريبة في الوجه (كأن الشخص غاضب أو متألم).
- رفع الكتفين على نحو متكرر.
- تحريك الرأس بشكل لا إرادي.
- المشي بطريقة غير معتادة.
- القفز أو الركل أو تحريك الأطراف بشكل غير طبيعي.
- حك الجسم مرارًا وتكرارًا.
- القيام بإشارات غير لائقة (أو بذيئة أحيانًا).
التشنجات الصوتية
وهي أصوات أو كلمات يصدرها الشخص دون قصد:
- تنظيف الحلق، أو إصدار أصوات مثل الشخير أو الشم.
- استخدام ألفاظ نابية أو بذيئة.
- تكرار نفس الكلمة أو الجملة أكثر من مرة.
- ترديد كلام الآخرين تلقائيًا.
بعض المصابين بمتلازمة توريت يشعرون بأن التشنج قادم قبل حدوثه، لكنهم لا يستطيعون السيطرة عليه.
عادةً ما تظهر أعراض متلازمة توريت في مرحلة الطفولة، وتحديدًا بين عمر سنتين و15 سنة.
في حوالي نصف الحالات، تختفي التشنجات (التيكس) بشكل طبيعي قبل أن يصل الطفل إلى سن 18 عامًا.
أما في الحالات التي تستمر فيها الأعراض بعد البلوغ، فإنها غالبًا ما تتحسن تدريجيًا مع مرور الوقت.
ومع ذلك، قد تعود التشنجات في بعض الأحيان خلال مراحل لاحقة من الحياة.
كيف يشخص الطبيب متلازمة توريت؟
يعتمد تشخيص متلازمة توريت بشكل رئيسي على ملاحظة الأعراض وتاريخ ظهورها.
يجب أن تبدأ التشنجات قبل سن 18 عامًا، وأن يكون الطفل مصابًا بنوعين من التشنجات: الحركية والصوتية، وأن تستمر هذه الأعراض لأكثر من سنة.
لا توجد تحاليل دم أو أشعة يمكن أن تؤكد الإصابة بالمتلازمة، لذلك يعتمد الطبيب على تقييم دقيق للتاريخ الطبي والأعراض الظاهرة.
وفي بعض الحالات، قد يطلب الطبيب إجراء بعض الفحوصات فقط لاستبعاد حالات أخرى قد تكون السبب في ظهور التشنجات.
علاج متلازمة توريت
في كثير من الحالات، لا يحتاج الأطفال أو البالغون المصابون بمتلازمة توريت إلى علاج طبي، خاصة إذا كانت التشنجات خفيفة، ولا تؤثر في حياتهم اليومية.
لكن قد يكون من المفيد التحدث مع أخصائي نفسي أو مستشار لمساعدة المريض وأسرته على فهم الحالة والتكيف معها.
متى يكون علاج متلازمة توريت ضروريًا؟
ينصح بالتدخل العلاجي إذا كانت التشنجات تؤثر بشكل سلبي على:
- التواصل مع الآخرين.
- القدرة على التركيز في المدرسة أو أداء المهام في العمل.
- القيام بالأنشطة اليومية مثل الاستحمام، وارتداء الملابس، أو تناول الطعام.
- في بعض الحالات، قد تسبب التشنجات ألمًا أو إصابات جسدية، مما يستدعي العلاج أيضًا.
خيارات علاج متلازمة توريت
هناك عدة محاور لأجل علاج متلازمة توريت نذكر منها:
1. تدريب عكس العادة
- نوع من العلاج السلوكي بالتعاون مع معالج متخصص.
- يساعد الشخص على ملاحظة العلامات التي تسبق التشنج، وتعلم استبدالها بحركة أخرى لمنع التشنج.
- تجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من العلاج قد لا يكون متوفرًا في كل مكان.
2. الأدوية
- يمكن لبعض الأدوية المستخدمة لعلاج اضطرابات نفسية أخرى أن تساعد في تقليل عدد التشنجات.
- يحدد الطبيب نوع الدواء المناسب بناءً على الحالة الفردية وشدة الأعراض.
3. حقن البوتوكس
- تستخدم أحيانًا في حالات التشنجات العضلية الشديدة.
- يعمل البوتوكس على تهدئة الإشارات العصبية التي تسبب الحركات اللاإرادية.
4. العلاج النفسي
لا يقتصر دور العلاج النفسي على علاج متلازمة توريت والتكيف مع أعراضها فحسب، بل يساعد أيضًا في التعامل مع الحالات النفسية المصاحبة لها، مثل:
- اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)
- الوسواس القهري
- القلق أو الاكتئاب
5. التحفيز العميق للدماغ
- في الحالات الشديدة التي لا تستجيب للعلاجات الأخرى، قد يستخدم هذا الخيار.
- يتضمن زراعة جهاز طبي صغير يعمل بالبطارية داخل الدماغ، حيث يرسل نبضات كهربائية إلى مناطق معينة مسؤولة عن الحركة.
- لا يزال هذا النوع من علاج متلازمة توريت في مراحله البحثية المبكرة، ويتطلب المزيد من الدراسات لتقييم سلامته وفعاليته في حالات المتلازمة.
الاضطرابات المصاحبة لمتلازمة توريت
في كثير من الحالات، لا تأتي متلازمة توريت بمفردها، بل تصاحبها اضطرابات نفسية أو سلوكية أخرى.
يعاني عدد كبير من المصابين من مشاكل إضافية تؤثر على التركيز، والسلوك، والحالة المزاجية.
من أبرز الاضطرابات المرتبطة بها:
- القلق المزمن ومشاعر التوتر المستمرة.
- فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، وهو من أكثر الاضطرابات شيوعًا بين المصابين.
- اضطراب طيف التوحد (ASD) بدرجات متفاوتة.
- الاكتئاب واضطرابات المزاج.
- صعوبات في التعلم قد تؤثر على الأداء الدراسي.
- الوسواس القهري (OCD)، الذي يتسبب في أفكار أو أفعال متكررة يصعب التحكم بها.
- السلوك التحدي والتمرد (ODD)، خاصةً لدى الأطفال والمراهقين.
يعد فهم هذه الحالات المصاحبة والتعامل معها بشكل متكامل خطوة مهمة في تحسين جودة حياة المريض.
متلازمة توريت قد تكون تحديًا في البداية، سواء للمريض ولمن حوله، لكنها ليست عائقًا أمام حياة طبيعية ومنتجة.
فالفهم الصحيح للحالة، والتعامل معها بهدوء ودعم، يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في مسار الأعراض وفي جودة حياة المصاب.
ومع وجود خيارات متعددة لعلاج متلازمة توريت والدعم النفسي، يستطيع كثير من الأشخاص المصابين أن يتجاوزوا صعوبات التشنجات، ويحققوا نجاحًا في الدراسة والعمل والعلاقات الاجتماعية.
فالتوعية والتقبل هما المفتاح الأول لتخفيف العبء النفسي والمجتمعي عنهم، وبناء بيئة أكثر دعمًا وتفهمًا.
احجز استشارة مع اشطر دكتور نفسي في مصر من كلينيدو

